عرض المقال
بين أصابع الكمبيوتر وأصابع «رابعة»
2013-10-01 الثلاثاء
شركة «جوجل» اشترت منذ شهرين شركة خرائط ملاحية إسرائيلية (جى بى إس) اسمها «WAZE» ودفعت ثمناً قدره مليار وثلاثمائة ألف دولار، أما المائة موظف الإسرائيلى الذين يعملون فى الشركة فسيقبض كل منهم مليون دولار بالتمام والكمال نظير خبرته، وقد بلغت قوة هذه الشركة أن «جوجل» ستتركها تعمل داخل إسرائيل ثلاث سنوات، ولن تطرد موظفيها، وحتى لن تجبرها على سحب تطبيقها من الهواتف المنافسة التى تعمل بالويندوز مثلاً، بل كل حلم وأمل «جوجل» هو أن تتشرف باقتها بضم هذا التطبيق العبقرى! ونحن منذ شهرين مازلنا نناقش المادة «219»، ونسأل هل هى الأدلة الكلية أم هى الأدلة المعتبرة؟ ومن هم أهل السنة والجماعة؟ وهل نكتب شرائع غير المسلمين أم شرائع المسيحيين واليهود؟! وهل من الممكن مصافحة ومناكحة الكتابية رغم البغض والكره؟ «جوجل» تتساءل: هل من الممكن أن توافق هذه الشركة الإسرائيلية على عرضنا؟ وتدخل فى منافسة شرسة مع «أبل» و«فيس بوك» حتى تفوز فى النهاية وتدفع كل تلك المليارات من أجل مجرد تطبيق «جى بى إس»، ونحن ما زلنا نتساءل هل «30 يونيو» انقلاب أم ثورة؟ وهل نكاح الجهاد حلال أم حرام؟ وما زال الإخوان يعيشون وهم الخلافة، وما زال «الببلاوى» ينتظر موافقة «بشر ودراج» على الاعتذار، وما زلنا نناقش وديعة قطر وما زالت منطقة صناعية عندنا مساحتها سبعين فداناً تكسب بآلاف موظفيها ربع ما تكسبه هذه الشركة الإسرائيلية بتطبيقها وبرنامجها اليتيم وبموظفيها المائة، إنه العقل، إنها طريقة التفكير، هذا هو الفرق بيننا وبينهم، الفرق أنهم اندمجوا فى حضارة العالم وحداثته ولم تصبهم أرتيكاريا الخوف ورهاب الفزع والتربص والتشرنق والتحنط التى أصابتنا بهوس أننا الأعظم والأفضل والأنقى، وأننا لا بد أن ننشر أفكارنا ونجاهد من أجل نشرها بالقوة وغصب عن عين من هاجرنا إلى بلادهم لنتسول فتات منجزاتهم!! هل تعرفون لماذا هرولت «جوجل» خلف هذه الشركة الإسرائيلية الصغيرة، أو بالأصح خلف هذا التطبيق الهاتفى الملاحى البسيط ودفعت كل تلك المليارات؟ لأن موظفى تلك الشركة كانوا مبدعين مبتكرين لم يستنفدوا جلوكوز مخهم فى تصميم شعار «رابعة» الأصفراوى الأردوغانى الساذج ولم يشغلوا بالهم بعدد أصابع الكف المرفوعة، ولكنهم سألوا سؤالاً واحداً، كيف نكون مختلفين لا مقلدين؟، كل برامج الـ«جى بى إس» صماء خرساء تنقل لنا الخريطة كصورة فوتوغرافية صامتة وجاءت هذه الشركة الإسرائيلية فحولته إلى دراما تفاعلية يستطيع مستخدموه الذين بلغ عددهم 50 مليون مستخدم نقل معلوماتهم المرورية لبعضهم البعض، يتبادلون المعلومات حول المطبات وفخاخ السرعة وإغلاق الطوارئ والإبلاغ عن الحوادث ووجود الشرطة وكاميرات السرعة والطرق المسدودة، مما يجعل التطبيق معاوناً بكفاءة للناس فى إعادة توجهاتهم على الطريق، ببساطة واختصار الميزة الأهم فى البرنامج هى طبيعته التفاعلية، فهو يتعلم من حركة سير مستخدميه، فحين يقودون سياراتهم فى طريق بأقل من السرعة المعتادة يعرف التطبيق أن الشارع مزدحم، فيتفادى توجيه المستخدمين الآخرين لنفس هذا الطريق فى فترة الازدحام. كذلك يتعلم التطبيق الطرقات الجديدة من مستخدميه، فحين مرورك مثلاً فى طريق ليس موجوداً فى خريطة البرنامج تستطيع بلمسة زر تسجيل الطريق وسيقوم البرنامج بإرسال الطريق إلى جميع المستخدمين. كذلك يُظهر البرنامج مركبات السائقين الآخرين فى الخريطة، ويمكنك إرسال رسائل نصية لهم. يمكّنك البرنامج كذلك من إرسال تنبيهات إلى من هم بالقرب منك فى حالة الاختناقات المرورية وحوادث السير ونقاط التفتيش وكاميرات المراقبة، إنهم موظفون يكتبون تاريخ ومستقبل بلدهم بأزرار الكيبورد، وليس من خلال الإسبراى الأسود القبيح الذى يلطخ الجدران بعبارات القباحة. إنهم مبدعون مبتكرون يتقدمون بقاطرة تقدمهم وليسوا مجموعة من الفاشلين يبتكرون حيلة عبيطة تنتمى إلى عالم «كيد النسا»، شعارها «عطّل المترو بجنيه وشل المرور بركن عربيتك فى نص الطريق»!، رفعنا منذ نصف القرن شعار «اعرف عدوك»، ولا بد أن نضيف اليه الآن «تعلم من عدوك».